قبل أيام، استمعت إلى مقابلة متلفزة على قناة الهوية مع عضو المكتب السياسي للجماعة ، عبدالله النعمي، قال فيها إن لدى الأجهزة الأمنية والمخابرات معلومات مؤكدة عن "مؤامرة خارجية أمريكية" لتحريك الشارع اليمني بصنعاء يومي 24 أغسطس و26 سبتمبر، في ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، والذكرى الـ64 لثورة 26 سبتمبر!
وسرعان ما أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام ،اليوم إلغاء احتفاله بذكرى تأسيسه، تحت مبرر التضامن مع غزة!
غير أن بعض المصادر تقول إن القرار جاء تحت تهديد مباشر من سلطة صنعاء، التي صادرت مخصصات الاحتفال وفرضت قيودًا أمنية مشددة.
لكن المفارقة أن الحديث عن ثورة 26 سبتمبر اليوم صار يُنظر إليه باعتباره "مؤامرة أجنبية أمريكية"! ومن المتوقع أن يُلغى الاحتفال بها هذا العام كما أُلغي في العامين الماضيين، مع اعتقال كل من يجرؤ على إحياء المناسبة، أو يرفع علم الجمهورية اليمنية، أو يشغّل فوق سيارته الأغاني الوطنية في يوم عيد الثورة. لقد جرى تجريم ثورة 26 سبتمبر عمليًا، وحظر الاحتفال بها بخفة غير مسبوقة، وكأنها لم تكن يومًا الثورة التي أطاحت بالإمامة، وفتحت لليمنيين أبواب الجمهورية.
في المقابل، نرى صنعاء وقد أُغرقت عن بكرة أبيها بالألوان الخضراء والأضواء الساطعة، استعدادًا للاحتفال بالمولد النبوي بعد عشرين يومًا، حيث تُسخّر امكانيات الدولة اليمنية والمجتمع بكل إمكاناتهما لإنجاح المناسبة الدينية. بينما تُحظر المناسبات الوطنية وتُجرّم، تُفتح كل الأبواب للاحتفالات الدينية التي توظَّف سياسيًا لتعزيز سلطة الجماعة وتثبيت حضورها في المجتمع.
إن هذا التناقض الفج ليس سوى انعكاس لسياسة واضحة: كل ما يرمز لاستقلالية المجتمع أو الأحزاب أو الهوية الوطنية يتم التضييق عليه وتجريمه، بينما كل ما يخدم مشروع الجماعة يُشرعن ويُضخّم ويُقدَّم كواجب ديني مقدس.
لقد تحولت ذكرى ثورة 26 سبتمبر – في وعي الجماعة – من يوم وطني جامع، إلى ملف أمني محرم، تفرض حوله القيود وتطلق بسببه التهديدات وما هذا إلا مسعى لإعادة صياغة الذاكرة الوطنية والرمزية اليمنية بما يخدم مشروعًا سياسيًا ضيقًا، لا يتسع للوطن كله ولا لتاريخه الحضاري الوطني الجمهوري.