لفت انتباهي مؤخرًا منشور لأحد الزملاء في جامعة حضرموت، أشار فيه إلى أن مدارس المحافظة ستواجه في السنوات القليلة القادمة — وليس ببعيد — نقصًا حادًّا في أعداد المعلمين، خاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
فما السبب يا ترى؟
من البديهي أن السبب يعود إلى العزوف الواضح لطلاب الثانوية العامة عن الالتحاق بكليات التربية في جامعات حضرموت، سيئون، أو غيرها. والسبب في ذلك أن مهنة التعليم لم تعد تمتلك الامتيازات التي تشجع الشباب على اختيارها، فلا رواتب مجزية، ولا ضمان وظيفي بعد التخرج، بل يعتمد الأمر غالبًا على التعاقد المؤقت في المدارس الحكومية أو الخاصة، لمن حالفه الحظ فقط.
لقد أصبح المعلم في بلادنا — للأسف — مهمشًا، رغم أن العلم والمعلم هما الأساس في بناء الأجيال وتربية الإنسان. وفي محافظة حضرموت تحديدًا، التي كانت رائدة في التعليم، نرى اليوم تراجعًا في مكانة المعلم وضعفًا في الإقبال على كليات التربية، لأن المهنة لم تعد تُقدّر ماديًا أو معنويًا، ولا تُقدَّم للمعلم الدورات أو الحوافز التي يستحقها.
حدثني أحد الزملاء الذين عاصروا فترة السلطنات في حضرموت، فقال إن التربية والتعليم آنذاك كانت تعلن عن وظائف المعلمين في الصحف المحلية، وتُجرى مقابلات دقيقة وصارمة، يتم فيها فحص الوثائق، والتأكد من توافر الشروط في المتقدم: من حيث المؤهل العلمي، والسلوك، والمظهر، واللياقة البدنية، والقدرة على تحمل المسؤولية.
كانوا يختارون المعلم بعناية شديدة، لأنهم يدركون أنه الركيزة الأساسية في بناء المجتمع.
وكانت هناك رقابة صارمة وتفتيش منتظم من مكاتب التربية والتعليم، بزيارات رسمية وفي أوقات محددة، لضمان جودة الأداء والانضباط. لكن — للأسف — بعد عام 1967 فقدنا تلك المنظومة، وأصبحت التربية، وأقولها بأسف، تقبل كل من هبّ ودبّ، فانعكس ذلك على مستوى التعليم والطلاب بسبب ضعف الرقابة والإشراف والتقويم التربوي.
لذلك، من الضروري اليوم أن يعيد المعنيون النظر في القوانين التربوية، وأن يمنحوا المعلم حقه الكامل من الامتيازات المالية والحوافز المعنوية والتكريم السنوي، وأن يُعاد الاهتمام الحقيقي بالتربية والتعليم كما كان في السابق.
ولو نظرنا إلى رواتب المعلمين في الدول المتقدمة — بل وحتى في بعض الدول العربية — لوجدناها مرتفعة ومشجعة، لأنهم يدركون أن المعلم هو أساس النهضة.
في اليابان مثلًا، يتقاضى المعلم راتبًا يفوق راتب الوزير، وفي سنغافورة — موطن اغتراب كثير من الحضارم قديمًا — تُعد رواتب المعلمين من الأعلى، تقديرًا لدورهم في بناء الأجيال.
ختامًا، نأمل من الجهات المسؤولة أن تعيد للمعلم مكانته وحقوقه دون تسويف أو انتقاص، وأن تعمل على تشجيع الشباب للالتحاق بكليات التربية في الجامعات داخل حضرموت وخارجها.
فبالمعلم تبدأ النهضة، وبه تُبنى الأوطان.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.