آراء

مسيحنا الذي صلبناه في 3 يونيو 2011

وليد المشيرعي

|
02:43 2025/06/03
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

قليلُ في حق علي عبدالله صالح كل ماكتبه الكاتبون وما سيكتبون، 3 يونيو 2011 تاريخ حفظ لنا عنه كلمتين "أوقفوا النار" ترددت من فمه الدامي ودخان العبوات الناسفة لايزال يصعد من جسده المثخن بالجراح.
لم تمنعه شظايا منبر جامع الرئاسة التي اخترقت رئتيه من اتخاذ قرار حاسم بعدم الثأر ووقف أي تصعيد قد يفضي إلى حرب أهلية تحرق الأرض التي نبت منها وتذهب بشعبها إلى الهاوية.
في ذلك اليوم ابتهج الساحاتيون ورقصوا وذبحوا القرابين محتفلين بحريمة تاريخية وانتهاك غير مسبوق للدماء المعصومة وحرمة بيوت الله.
الموقفان يكشفان لنا التناقض بين شخصية الزعيم صالح وأعدائه بين من يريد السلام ومن ينشد القتل والفناء.
من حاولوا تغييب صالح عن مجرى الأحداث كانوا قد وصلوا إلى طريق مسدود أمام حرصه لتجنيب البلاد شرورا مفتوحة الاحتمالات.
لقد أدركهم اليأس تجاه مرونته وسعيه لامتصاص موجة فوضى ما يسمى بـ "الربيع العربي" والعودة باليمن إلى ربوع الاستقرار السياسي عبر اتفاق شامل لنقل السلطة بدلاً من تركها ورقة ممزقة في مهب الريح وهو ماحققه لاحقاً وفشلت الاطراف في الحفاظ عليه.
أياً كانت الأصابع التي دست العبوات الناسفة في قبلة الجامع وداست زر التفجير أثناء سجود المصلين.. تبقى محاولة الاغتيال الآثمة تلك نقطة تحول كبير في الشأن اليمني..
والرسالة منها كانت واضحة "لا مكان لصوت العقل والحكمة" وكان المطلوب أن يأتي الرد انتقامياً دموياً يرضي طموح القتلة وزارعي الفتنة.
إعادة ترتيب الاحداث في تلك السنة المشئومة يبدو للكثيرين مسألة هامشية طالما أن الرجل قد استشهد مواجها المليشيا الحوثية الإرهابية بعدها ببضع سنين.
لكن واقعنا المزري اليوم والذي سبق له أن حذرنا من وقوعه بات يحتم علينا إجراء هذه المراجعة إذا أردنا حقاً معالجة هذا الواقع المؤلم بدلاً من الاختباء وراء الذرائع والأعذار.
الذين شيطنوا علي عبدالله صالح وفسروا قراراته في 2011 أنها مناورات للتشبث بالسلطة والآخرون الذين وقفوا على الحياد ومعهم الذين استفادوا من تقلبات الأوضاع ودخلوا الصورة في هيئة منقذين مفتوحي الشهية على المكاسب الرخيصة؛ كل هؤلاء شاركوا في إنهاء مسيرة رئيس الدولة وإسقاط هيبة الدولة في الوقت نفسه.
لقد هدموا أساس الحياة السياسية في اليمن ودشنوا بإصرار سوق الارتهان للخارج وتعددت بهم السبل وافترقوا بلا أمل للقاء قريب أو بعيد..
ما جرى بعد ذلك التاريخ لم يكن إلا تحصيل حاصل.. الشقوق اتسعت مع الأيام ولم تفلح في ترميمها تنازلات صالح المتوازنة ولا توقيعه على المبادرة الخليجية رغم أنه الرئيس الشرعي المنتخب والقائد الأعلى للجيش.
لقد استشهد علي عبدالله صالح فعليا وتم صلبه سياسياً في 3 يونيو 2011 وما تبقى منه بعدها إلا نموذج حي لمسيح آخر حمل أوزارنا وخطايانا لكنه ظل يهدينا إلى سبل السلام والتعايش فيما بيننا؛ ومهما تكالب الكافرون به وبدعوته سيبقى صوته خالداً ودعوته كذلك حتى نستجيب ونؤمن بها حقا، وصدقا بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة.
حينها فقط سنستعيد حياتنا وبلادنا وكرامتنا ودولتنا وما دون ذلك ليس إلا إضاعة للوقت في غياهب الكفر بالوطن والشعب والثورة والجمهورية.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية