لم يكن إعلان قيام الجمهورية اليمنية ورفع علم دولة الوحدة على يد الزعيم علي عبدالله صالح ورفاق الدرب الوحدوي، في الـ22 من مايو عام 1990 إعلانا بدمج كيانين سياسيين وخارطتين جغرافيتين وشعبين وهويتين مختلفتين وميلاد كيان ووطن جديد، بقدر ما كان انتصارا للجغرافيا والتاريخ والهوية وواحدية الأرض والانسان التي ظلت واقعاً يتوارثه اليمنيون منذ فجر التاريخ.
في الـ22 من مايو عام 1990 انتصرت إرادة الوحدة وارتفعت رؤوس اليمنيين عاليا وسقطت معاهدات واتفاقيات التقسيم المبرمة بين سلطتي احتلال (انجلوعثماني) صادر حق اليمنيين ومنح نفسه الحق في تقرير مصيرهم وتعامل مع اليمن كغنيمة حرب أخضع خارطتها للتقاسم، وفرض على الشعب اليمني دفع فاتورة الصراع وتقديم إرثه الجغرافي والتاريخي ثمناً لتنفيذ اتفاقيات السلام والاستسلام بين المتصارعين.
بسطت قوى الاحتلال سيطرتها وفرضت أجنداتها في تقسيم اليمن إلى جنوب بريطاني وشمال عثماني، لكن ولأن اليمنيين لم يكونوا طرفاً في توقيع أي من اتفاقيات التقاسم ومعاهدات ترسيم الحدود، لم يعترفوا بما نصت عليه اتفاقيات بين سلطتي إحتلال يرفضون تواجدهما في اليمن.
وفي الوقت الذي تؤكد الأحداث والمتغيرات التي شهدها العالم، نجاح قوى الاحتلال في تقسيم وتمزيق الكثير من الشعوب والبلدان وظهور دويلات بهويات جغرافية وإثنية، إلا إن مساعيها في اليمن باءت بالفشل وأسقط اليمنيون كل مخططات التقسيم التي سعى المحتل لفرضها عليهم من خلال الاتفاقية (الانجلوعثمانية) الموقعة عام 1902م وترسيم الحدود في العام 1914م.
بعد سقوط الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، اتجه المحتل البريطاني لإيجاد شريك آخر في الشمال يرث ما أفضت إليه المعاهدات والاتفاقيات الموقعة مع شريكه العثماني، ويدعم توجهاته لفرض التقسيم وتحويله من اتفاقية إلى واقع يعيشه الشعب اليمني على الأرض وهو ما توهم أن توقيع الكهنوتي يحيى حميد الدين على معاهدة التقسيم مقابل الاعتراف بدولته سيحقق ما فشل في تحقيقه مع العثمانيين.
اعتراف متبادل بين سلطة الكهنوت في الشمال وسلطة الاحتلال في الجنوب، لكن الشعب اليمني لم يكترث أو يلتفت لأي من تلك التفاهمات واستمر في فرض واقعه الوحدوي وظل يمحو بخطاه حدود الوهم ويؤكد أن الوحدة حقيقة ثابتة وارتباط أزلي لشعبٍ وجغرافيا وتاريخ واحد وهوية لم تتغير ولم تتبدل عبر التاريخ.
صمد الشعب اليمني أمام المؤامرات وأسقط كل مشاريع التقسيم وانتصر على الكهنوت الأمامي في الـ26 من سبتمبر 1962 وتوج مسيرة التحرير بثورة الـ14 من أكتوبر عام 1963 ودحر المحتل البريطاني من الجنوب اليمني، لكن حلمه في الوحدة سرعان ما ارتهن لصراعات القوى الدولية والإقليمية وأجندات النفوذ في المنطقة.
لكن ورغم كل ما عاناه اليمنيون في زمن التشطير الجمهوري لم يمت الحلم وسرعان ما تحول إلى ثورة ثالثة قادها الرئيس على عبدالله صالح، وانتصر فيها لأهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر واكتوبر وحوَّل مع رفاقه في الدرب الوحدوي مشروع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية من حلم وقضية مؤجلة إلى حقيقةٍ وواقعٍ يعيشه اليمنيون تحت راية الجمهورية اليمنية.